نُبارك للشعب المصري الشقيق النجاح في ثورته الشبابية والشعبية الراقية والهادفة، التي من شأنها أن تنقل ليس مصر فقط، وانما العالم العربي ايضا، الى وضع سياسي جديد يقوم على الحرية والديموقراطية والشفافية في مناشط الحياة المجتمعية قاطبة. المشهد المصري غيّر الواقع السياسي المصري مائة وثمانين درجة، وأرسل رسائل مقتضبة لبقية الانظمة العربية الأخرى، من أهمها ما يلي:

 

 

أولا، ضرورة التوسّع في الحريات والديموقراطية التي يجب أن تقوم على دساتير مدنية ومتطورة في قوانينها التي عليها تحديد، ليس فقط كيف تتم عملية المشاركة الشعبية في الانتخابات البرلمانية، وانما أيضا تحدد مدة الرئاسة وكيفية تداول السلطة. ان مبدأ «القائد الضرورة» لم يعد ضرورة في عالم اليوم.

ثانيا، ان قدرة الأنظمة على تسيير دفة الاعلام (العام أو الخاص) نحو أهدافها الخاصة أصبح من الماضي، وأن الاعلام الحالي هو اعلام شعبي ليس بمقدور أي سلطة كانت أن تتحكم به. ان سياسة التحكم في عقول الناس وتوجيهها نحو غايات محددة أصبحت سياسة اعلامية فاشلة وغير نافعة، بل وفي كثير من الأحيان قد تكون مضرة بالنظام نفسه، وبالتالي من الضروري أن تنتهج الحكومات والأنظمة العربية منهج الشفافية والوضوح والتواصل الدائم مع شعوبها بدلا من التعامل مع الشعب العربي، وكأنه طفل قاصر!

ثالثا، البلدان العربية جميعها تزخر بالكثير من الموارد الطبيعية والبشرية التي من شأنها أن تخلق تنمية اقتصادية، وبالتالي اقتصادا متينا قادرا على توفير الحياة الكريمة للمواطن العربي والمتمثلة في حقوق التعليم والصحة والسكن والعمل والزواج.. ان المشكلة ليست في قصور الموارد، وانما في ارتفاع وتيرة الفساد الذي وصل الى مستويات مخيفة في البلدان العربية. اذا المدخل الرئيسي لخلق اقتصاد وطني متين يتمثل وبالدرجة الاولى في المكافحة الفعلية والعلنية للفساد بواسطة تفعيل القوانين الناجعة.

رابعا، أثبت المصريون أن كل الاحزاب والتنظيمات السياسية (وهذا بالطبع ينطبق على بقية الدول العربية) غير مؤثرة ولا يمكنها أن تحتكر المشهد السياسي كما تدعي. ان غضب الشارع، الذي يرتكز في قوته، على ما نسميه اصطلاحا «الاغلبية الصامتة»، ليس بمقدور أي أحد ان يسيطر عليه، كما أنه من الصعب أن يُختطَف من قبل أي تنظيم سياسي كان، وبالتالي على الحكومات والأنظمة، ان أرادت كسب ود الشعب، أن تلجأ الى فلسفة ادارية تقوم على الطاقات والخبرات الشبابية غير المحسوبة على أطراف سياسية معينة.

أخيرا، على الحكومات والأنظمة العربية أن تسعى جاهدة الى تبني سياسات عامة تهدف الى تعزيز الوحدة الوطنية بين أفراد الشعب، وان سياسة «فرّق تسُد» لا يمكن لها ان تحقق نجاحا على أرضية الواقع، وبالتالي صمام الأمان لأي بلد عربي يتمثل في تضييق الفجوات الاقتصادية بين طبقاته، وتعميق التعاضد والمحبة بين أطيافه، وتأصيل الثقة بين أديانه ومذاهبه.

د. علي الزعبي

قائمه


 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

شناشيل  للاستضافة والتصميم

pepek